الثلاثاء 01 / يوليو / 2025
من نحن اتصل بنا سياسة الخصوصية

شرين إحسان تكتب: حين يتكلم المال وتسكت غزة.. مصر خارج لعبة ترامب والخليج 

شرين إحسان تكتب: حين يتكلم المال وتسكت غزة.. مصر خارج لعبة ترامب والخليج 
شرين إحسان

في مشهد سياسي واقتصادي مثقل بالدلالات، حطّ الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب رحاله مجددًا في منطقة الخليج، في زيارة وصفت بأنها "غير رسمية الشكل، ولكنها شديدة الرسمية في أهدافها".


الجولة شملت عددًا من الدول الخليجية على رأسها السعودية وقطر والإمارات، وسط تجاهل لافت لمصر، الدولة صاحبة الدور التاريخي المحوري في ملفات المنطقة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.


صفقات.. وغزة تحترق 


زيارة ترامب تزامنت مع تصعيد خطير في قطاع غزة، وسط عدوان إسرائيلي دموي خلّف مئات الشهداء والجرحى، بينما كانت العواصم الخليجية تستقبل الرئيس الذي لم يخفِ يومًا انحيازه الصارخ لإسرائيل، منذ أن نقل سفارة بلاده إلى القدس ووقع على "صفقة القرن" التي رفضتها مصر والفلسطينيون بشكل قاطع.


الزيارة أثارت تساؤلات حول التوقيت والمضمون، خصوصًا في ظل صمت خليجي رسمي عن المجازر الإسرائيلية في غزة، مقابل تسارع الخطى نحو التوسع في الشراكات الاقتصادية مع شخصيات مقربة من ترامب وشركات أمريكية تنشط في مجال الطاقة والبنية التحتية والأمن السيبراني.


أرباح اقتصادية وأمن مدفوع الثمن 


تشير التقديرات الرسمية إلى أن الولايات المتحدة ستجني من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي تم الإعلان عنها خلال زيارة ترامب إلى الخليج في مايو 2025 ما يتجاوز 786 مليار دولار، تشمل صفقات تسليح واستثمارات في التكنولوجيا والطاقة والبنية التحتية، وحدها السعودية أعلنت عن استثمارات بقيمة 600 مليار دولار في الاقتصاد الأمريكي، بينما وقّعت أرامكو صفقات بنحو 90 مليار دولار، وقطر أبرمت اتفاقيات تاريخية مع بوينغ بقيمة تجاوزت 96 مليار دولار.


في المقابل، تدفع المنطقة ثمنًا باهظًا من أمنها واستقرارها، نتيجة صراعات غذّتها السياسات الأمريكية المتحيزة، من العراق إلى اليمن، ومن ليبيا إلى السودان، لقد كانت واشنطن، سواء عبر إدارة ترامب أو غيره، طرفًا فاعلًا في تأجيج النزاعات، بحجة محاربة "الإرهاب" أو "نشر الديمقراطية".


مصر.. الغائب الحاضر 


غياب مصر عن مشهد زيارة ترامب يطرح أسئلة منطقية: هل تعمّدت الإدارة الأمريكية – أو ترامب نفسه – تجاهل القاهرة؟ أم أن مصر اختارت أن تنأى بنفسها عن مشهد يتقاطع مع قناعاتها الثابتة تجاه القضية الفلسطينية؟


الرد ربما نجده في زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي الأخيرة إلى روسيا، حيث عُقدت مباحثات موسعة مع الرئيس فلاديمير بوتين، تناولت قضايا الأمن والطاقة والتسليح والتعاون الثنائي، ما يشير إلى إعادة توازن في التحالفات الاستراتيجية المصرية، بعيدًا عن محور واشنطن – تل أبيب – الخليج.


 دور تاريخي لا يُلغى 


منذ اتفاقات كامب ديفيد إلى مبادرات وقف إطلاق النار في غزة، مرورًا باتفاق المصالحة الفلسطينية في القاهرة، كانت مصر دومًا في قلب الحدث العربي، مدافعة عن الحق الفلسطيني، ساعية لوحدة الصف، ورافضة لأي حلول تُفرض بالقوة أو من خارج السياق العربي.


ولا يمكن تجاهل أن مصر كانت ولا تزال الحاضن الأول للقضية الفلسطينية، والداعم الرئيسي لأي جهد لتحقيق السلام العادل والشامل، وليس سلام الصفقات والمصالح.


خلاصة القول 


زيارة ترامب، رغم طابعها غير الرسمي، كشفت حجم التحولات في أولويات بعض العواصم العربية، التي باتت ترى في الاقتصاد المدخل الأول للسياسة. لكن هذه التحولات، وإن حملت مكاسب قصيرة الأمد، فإنها تهدد بخسائر استراتيجية فادحة، أهمها فقدان الثقة الشعبية، وتآكل المواقف التاريخية الداعمة للحق الفلسطيني.


أما مصر، فقد يكون غيابها هذه المرة هو رسالتها الأوضح: لسنا على استعداد للمشاركة في مسرحية يعاد فيها إنتاج الخسارة تحت مسمى "الربح".


موضوعات ذات صلة